"الهندسة والهوية: قراءة في الوظائف العمرانية والثقافية لنصب الأمة في العاصمة نواكشوط"

تسعى المدن الحديثة في العالم إلى تعزيز قدرتها على الاندماج في محيط اقتصادي وسياحي متغير، وذلك من خلال إنشاء معالم عمرانية تجمع بين الوظائف التقنية والرمزية. وفي هذا السياق، يأتي نصب الأمة  كمشروع يهدف إلى تحسين المشهد العمراني للمدينة، وخلق فضاءات جاذبة، وتعزيز الهوية الثقافية في إطار معاصر.  يمثل هذا المعلم  تجربة جديدة في العاصمة الموريتانية التي عُرفت بطابعها الأفقي. 
إلى أي حد يمكن لمشروع نصب الأمة  في نواكشوط أن يسهم في تحسين البنية الحضرية وتعزيز الهوية الثقافية وفتح آفاق جديدة للسياحة الحضرية؟
1. الموقع والمساحة
يقام البرج على مساحة تقديرية تبلغ 1.2 هكتاراً عند وسط المدينة ، وهو موقع يمنحه قيمة حضرية عالية ويجعله نقطة تركيز بصرية .

2. مكوّنات المشروع

يتألف المشروع من العناصر التالية:

برج رئيسي بارتفاع 65 متراً، وهو ارتفاع متوسط يناسب طابع المدينة الأفقي.

جسران يربطان المداخل بالبرج المركزي.

طوابق متعددة تضم:

مطعماً ومقهى.

متحفاً مصغراً للتراث العمراني الموريتاني.

منصة علوية توفر رؤية بانورامية للعاصمة والمحيط الأطلسي.

منارة بحرية تخدم الرؤية الملاحية وترمز للطابع الساحلي.

نموذج لمنارة مسجد شنقيط التاريخية، لربط المعلم بالذاكرة الثقافية.

أربعة مصاعد ومواقف سيارات ومحطة حافلات.

مساحات خضراء وإنارة حديثة.

3. النموذج الهندسي

يعتمد التصميم على دمج بين الخطوط العمودية للبرج والامتداد الأفقي للمساحات العامة، ما يخلق توازناً بصرياً يتناسب مع طبيعة نواكشوط.
كما يحقق المشروع مبادئ الهندسة الحضرية الحديثة مثل:

تعدد الوظائف (Mixed-use).

توفير الفضاءات العامة.

سهولة الوصول والتنقل.

دعم الحركة السياحية والترفيهية.

رغم أن ارتفاع البرج (65 م) لا يضعه ضمن الأبراج الشاهقة ، غير أن  قيمته لا تكمن في المنافسة على الارتفاع، بل في:

1. الرمزية الثقافية: توفير نموذج عمراني مستوحى من منارة مسجد شنقيط يمثل تراثاً عريقاً.

2. الاندماج في البيئة المحلية: تصميم يتناسب مع طابع نواكشوط غير العمودي.

3. الوظيفة الحضرية: خلق نقطة جذب جديدة في سياق يفتقر للمعالم الترفيهية والسياحية.

وبذلك يختلف نصب الامة عن الأبراج التجارية والمالية، ويتجه نحو نموذج معلم حضري ثقافي متعدد الوظائف.

الوظائف العمرانية والسياحية للنصب:

1. الوظائف الخدمية

يوفر النصب مرافق مفتوحة للجمهور مثل المطعم، والمقهى، والمتحف، ومنصات الإطلالات، مما يجعله جزءاً من شبكة الخدمات السياحية الجديدة للعاصمة.

2. الوظائف الثقافية

إدراج نموذج لمنارة شنقيط يعطي المشروع وظيفة ثقافية، ويعزز ارتباط المدينة بتاريخها العلمي والعمراني.

3. الوظائف البيئية والاجتماعية

المساحات الخضراء والإنارة العصرية تمثل إضافة نوعية .

رابعاً: التأثير المتوقع على المجال الحضري

من المتوقع أن ينعكس المشروع بشكل إيجابي على عدة مستويات:

1. التأثير الاقتصادي

تنشيط الحركة السياحية الداخلية والخارجية.

خلق فرص عمل مرتبطة بالمطاعم، والخدمات، والصيانة، والإرشاد السياحي.

2. التأثير الاجتماعي

توفير فضاءات عامة للعائلات والشباب.

تعزيز الشعور بالانتماء الحضري من خلال معلم يحمل رمزية وطنية.

3. التأثير العمراني

تشكيل نواة جديدة يمكن أن تلتف حولها مشاريع حضرية مستقبلية.

رفع قيمة المنطقة وتحسين جاذبية نواكشوط بصرياً ووظيفياً.

إدماج أفضل لمحطات النقل العمومي في البنية الحضرية.

يمثل معلم الأمة  في نواكشوط خطوة مهمة نحو تحديث المشهد العمراني وإضافة معلم حضاري ذي وظائف متعددة. 
ومن المتوقع أن يساهم المشروع في تعزيز السياحة الحضرية، وتحسين صورة العاصمة، ودعم توجهها نحو تطوير بنية عمرانية أكثر انسجاماً مع متطلبات العصر. ويمثل ذلك نموذجاً للتنمية العمرانية التي تستند إلى الهوية المحلية دون إغفال البعد الحديث.

المهندس محمد محمود ولد الصيام