عندما يتحول خطاب الكراهية إلى صراعات عنصرية

خطاب الكراهية مسألة معقدة ويعاني منها كثير من الناس في مجتمعات عدة؛ وهذا الخطاب إذا تطور فإنه يتحول إلى سياسات عمومية ممنهجة لإقصاء الآخر أو لجعله في الهامش، بل وإلى صراعات عنصرية، وهو ما يطرح تساؤلات لا منتهية وحوارات عقيمة عن مدى قابلية تعايش جزء من الناس مع الآخر بسبب لون بشرته أو بسبب عرقه أو انتماءاته الحضارية والثقافية.

وهذا النوع من الخطاب والصراعات العنصرية نراه اليوم مستشرياً في المجتمعات الغربية وريثة حقوق الإنسان والحريات العامة؛ فقد سبق أن انتقدت مثلاً لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة الممارسة المتواصلة في فرنسا، المتمثلة في «التنميط العنصري المقترن بالاستخدام المفرط للقوة في تطبيق القانون، وبخاصة من جانب الشرطة، ضد أفراد الأقليات...».

وفي الباب نفسه، سبق أن حثت الأمم المتحدة، ضمن تقرير أصدرته الهيئة نفسها، حكومة المملكة المتحدة، على «تصحيح الأخطاء» التي ارتُكبت بحق البريطانيين السود والأجانب، في أعقاب أعمال شغب عنصرية ومعادية للإسلام اندلعت في السنين الأخيرة ببريطانيا، كما سادت مؤخراً أجواء من التوتر في بلدة طوري باتشيكو بإقليم مورسيا الإسباني، بعد سلسلة من الأحداث التي أعادت الجدل حول العلاقة بين المهاجرين والسكان المحليين. وطبعاً، كما هو حال العديد من الأمثلة في دول أخرى، رافق ذلك ظهور تحركات لأحزاب أقصى اليمين، أطلقت تصريحات وخطابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي «تهاجم وجود المهاجرين، وتحمّلهم مسؤولية الاختلالات الأمنية»، مما يزيد من حدّة التوتر في الشوارع.

ويمكن أن نشير إلى تقرير نشره منذ مدة «بنك سيتي غروب»، لنرى كيف أن هذا التمييز بين البيض والسود ما زال متجذراً في المجتمع الأميركي، وكيف أضحت سياسات التمييز العنصري عائقاً أمام ازدهار الاقتصاد الأميركي، مضيعةً عليه تريليونات الدولارات في العقدين الأخيرين.

وقد بيَّنت دراسات سابقة نشرتها شركة الاستشارات الاقتصادية «ماكينزي» أن «الأميركي من أصل أفريقي يكسب مليون دولار أقل من المواطن الأبيض على مدار حياته». ولاحظ اقتصاديو «سيتي غروب»، بعد دراسة البيانات التي جمعوها من الاحتياطي الفيدرالي ومكتب التعداد السكاني، أن الفروق في الأجور «لم تتقلص منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي»؛ كما يُستفاد من التقرير أن فشل السياسات في مكافحة التمييز بأماكن العمل، منذ 20 سنة، قد أسفر عن تضييع «مبلغ ضخم للغاية تصل قيمته إلى 2700 مليار دولار كان يمكن إضافته لإجمالي الدخل القومي، إذا لم تكن هناك فروق في الرواتب». ويقيني أنها أموال كثيرة كان من الممكن، جزئياً، أن تنمي الاستهلاك أو تُستخدَم للاستثمار في الأعمال التجارية أو العقارات؛ ويأسف خبراء الاقتصاد في هذه المجموعة البنكية على أن «الولايات المتحدة تُحرم من تحقيق 0.2 في المائة زيادة على نسبة النمو الحالية جراء سياسات التمييز الحاصل في توزيع المداخيل».

ثم إن أحد المكونات الرئيسية لثروات الأميركيين يأتي من القيمة العائدة لمنازلهم. وفي هذا الصدد، فإن التمييز صارخ للغاية. وإذا كانت البنوك تتردد في منح القروض العقارية؛ فهي أشد حذراً في تمويل المشاريع التجارية وإنشاء الشركات للأقليات العرقية.

ونتذكر أيضاً الاحتجاجات العارمة التي أشعل فتيلها وفاة بعض الأميركيين ذوي البشرة السوداء، مثلما وقع منذ سنوات مع جورج فلويد، المواطن الأعزل الذي قضى اختناقاً تحت ركبة شرطي أبيض أثناء توقيفه في مينيابوليس؛ مما يعيد كل مرة مسألة العنصرية المتجذرة في البلاد، ويحيي الجدل الحسّاس حول إرث العبودية في البلاد الذي تجسّده نصب تذكارية تمجّد الجيش الكونفدرالي، ويطالب كُثر بإزالتها.

كما يمكن أن نتابع في هذا الباب، وبالضبط في الدول الأوروبية، ازدياد نسبة معاداة الإسلام بشكل كبير؛ إذ يعتبر الأوروبيون الإسلام تهديداً خطيراً، فتكثر كل أشكال الكراهية وتكبر النظرة الازدرائية والسياسات العمومية المناوئة للمسلمين... والعامل الانتخابي من الأسباب التي تجعل العديد من المجتمعات الغربية مريضة بالصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وتجعل الفاعلين السياسيين يغذون في عقول الغربيين مقولة وجود الهوية والثقافة الوطنية في خطر، أو ما يُشار إليه بالهوية المرجعية... ونجد السياسيين الألمان مثلاً يضيفون خاصية جديدة في دفاعهم عن الهوية والمرجعية الوطنية، وهو كون ثقافة المجتمع الألماني ثقافة «يهودية - مسيحية»، ونتساءل مع الفيلسوف الألماني هابرماس عن نسيان السياسيين الجدد لما وقع لليهود في ألمانيا...

كل هاته الأمثلة استقيناها من دول غربية، وهي للأسف الشديد متجذرة في بعض السياسات العمومية، ولدى العديد من الأحزاب السياسية ويعاني منها الملايين من البشر في وقت تقوم هاته البلدان بإعطاء دروس للآخرين في مجال حقوق الإنسان ومسألة التعايش المشترك!

د.عبد الحق عزوزي