على هامش المهرجان، السياحة في تمبدغة بين وهج التاريخ الناصع وألق الجغرافيا الخلابة (مقال)

بقلم ذ. الشيخ اكار عبد اللطيف 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾
[آل عمران: 137]

وفي هذه الٱية دعوة إلى التنقل وزيارة الأماكن والتفكر في خلق الله وٱثار الماضين من الأمم السابقة لما في ذلك من موعظة وتذكير بأن 
"..ماخلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل"

وتُعرِّف الجمعية البريطانية للسياحة – 1976 – السياحة بأنها:
"حركة موسمية قصيرة المدى إلى المناطق السياحية بعيدًا عن محل الإقامة والعمل الدائمين، وتشمل جميع الأغراض بما فيها الزيارات اليومية والنزهات."

وتنقسم السياحة إلى خارجية (دولية) وداخلية (محلية)، وتندرج ضمن الأخيرة، الحركة النشطة للموريتانيين هذه الأيام بين المدن عموما و من العاصمتين نواكشوط ونواذيبو إلى جميع أنحاء الوطن، وذلك استجابةً لدعوة رشيدة من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد الشيخ الغزواني، للقاء الأحبة وصلة للرحم وتعزيزا للحمة الوطنية، واكتشاف المقدرات السياحية للبلد، وكذلك لضخ السيولة في الأسواق الداخلية.
ولا تتوقف السياحة الداخلية في تمبدغة على فصل الخريف فقط، إذ يفضل بعض الزوار التوجه إلى هذه المناطق في فصل الشتاء ومن هؤلاء قديما خطري ول امحمد لمباركي احد سكان هذه الأرض الطيبة،

وكتن خطري يختير @ وحش الساحل والبرد @ يجعلو فيه خير @ يالواحد الأحد.


✓فوائد السياحة:

للسياحة فوائد جمّة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

زيادة الدخل الوطني.

توفير فرص العمل.

دعم الاقتصاد المحلي.

الحفاظ على المواقع الطبيعية.

اكتساب الخبرات الجديدة.

تنمية المهارات الفردية.


ورغم أن مقاطعة تمبدغة لا تتوفر على بنى تحتية سياحية حضرية كالفنادق والأبراج والجسور وغيرها، إلا أنها تزخر بطبيعة نقية وبِكر، وتاريخ ثري، وشعب ودود ومنفتح. فهي الأرض التي قامت على أديمها حضارات وشُيّدت فيها دول، والتي طالما قصدها طلاب العلم ونهلوا من معينها، وخلّدوا مآثرها ومعالمها في الشعر والنثر. ولا تزال إلى اليوم وجهة لأنواع عديدة من السياحة، هي:

السياحة الثقافية.

السياحة الصحراوية.

السياحة الدينية.

السياحة الترفيهية.

السياحة العلاجية بالمياه المعدنية في انوال.

السياحة البيئية في بحيرة "محمودة" شرقي المقاطعة.

°أولًا: السياحة الثقافية

السياحة الثقافية هي التي ترتكز على استكشاف التراث والثقافة، من خلال زيارة المتاحف والمواقع التاريخية والمعالم الأثرية.
وتُعتبر تمبدغة أهم وجهة لهذا النوع من السياحة، فهي مهد الحضارات الإفريقية عبر العصور، حيث تضم كنوزًا تاريخية لا يزال أغلبها مطمورًا تحت تراب مدينة "كمبي صالح" المصنفة من طرف الأمم المتحدة تراثًا عالميًا. وقد كانت "كمبي صالح" عاصمة لأكبر الممالك الإفريقية، مملكة غانة.

تقع المدينة على بعد 65 كلم جنوب شرقي تمبدغة، ويُرجَّح أنها بُنيت في القرن الثالث الميلادي حين سيطرت قبائل الماندية الوثنية على طرق القوافل التجارية بين أوداغست وتمبكتو.
وفي القرن السابع الميلادي، برزت إمبراطورية غانة كقوة عظمى، وجعلت من المدينة عاصمة لها. ومع حلول القرن الحادي عشر الميلادي، وصل عدد سكان "كمبي صالح" إلى 30 ألف نسمة، لتكون أكبر مدينة على الإطلاق في القارة الإفريقية حينها.

وفي عام 1070م، زحفت عليها جيوش دولة المرابطين، وحلّت القبائل الصنهاجية البربرية محل السكان الأصليين.
ومع مطلع القرن الثالث عشر الميلادي، استخدم ملك الصوص "سمارى كانته" المدينة ثكنة لجيوشه، ثم أصبحت مهجورة حتى أعيد اكتشافها سنة 1913م كمركز للحفريات وقبلة لعلماء الآثار.

يقول الدكتور الناني ولد الحسن:
"عندما سأل بونيير دي ميزير سكان ولاتة سنة 1913 عن حاضرة غانة، دلّوه مباشرة على موقع المدينة، فأجرى به حفريات هامة سنة 1914، وتلتها حملات أخرى لزيرتيك سنة 1939، وموني بين 1950 و1951، وأخيرًا سيرج روبير. وقد بينت هذه الحفريات أطلال المدينة الإسلامية وجامعها الكبير (أكبر جامع في غرب إفريقيا آنذاك)، وقصر الملك المحاذي للجامع، وبعض هندستها الفريدة، إضافة إلى شوارعها الممتدة في كل اتجاه."

كمبي صالح و"كمبي دفي" ظلّتا محطة للقوافل التجارية بين الشمال والجنوب، وسوقًا للذهب القادم من المناجم.
أما مدينة "الصحبي" الحديثة، فقد تأسست سنة 1962، وهي اليوم عاصمة بلدية "كمبي صالح"، ويبلغ عدد سكانها حوالي 3565 نسمة (713 أسرة).

ورغم مكانتها التاريخية، لم تحظَ هذه المدينة العريقة بما يكفي من اهتمام الدولة الموريتانية مقارنة بأخواتها من المدن القديمة. ومع ذلك، ساهمت البحوث الأركيولوجية في مطلع القرن العشرين في اكتشاف "المقبرة الإسلامية" المعروفة محليًا بـ"مقبرة الصحبي" ذات النقوش الصخرية وضريح الشيخ الكبير، الذي تسمّت المقبرة باسمه.
وتحوم حول هذا الضريح قصص تاريخية وروايات شعبية، أبرزها أن صاحب القبر هو من بنى قصر كمبي صالح، وهو جدّ شرفاء بني صالح المعروف بـ"الهلال الدمشقي".

°ثانيًا: السياحة الدينية:

كما ذكرنا آنفًا، كانت تمبدغة محطة لقوافل الباحثين عن العلم في جذوره، ولا تزال إلى اليوم قبلة لكثير من طلاب العلم وأهل البركة والصلاح. فمن لم يسمع بمحاظر أهل الشيخ ولد دهمد، وأهل بيه، وأهل امباله، وأهل إبراهيم، وأهل أحمد معلوم، ومحاظر أهل الطالب إبراهيم بمكتبتهم العريقة، ثم محظرة محمد عبد الوهاب ولد سيدين ومحظرة محمد المحفوظ وغيرهم كثير.
ومن لم يسمع بكرامات الأولياء والصالحين مثل عبد الله ولد الأمين نزيل لميلحة، الذي تضم مقبرته الكثير من الأولياء والصالحين، ومن بينهم محمد عبد الله ولد الفتح الذي أوصى بدفنه بجواره، وغيرهم كثير، بالإضافة إلى زعيم أولاد موسى الشيخ المحفوظ ولد خطري، وأحمد الأسود، والشريف ثالول ولد سيدي أب أهل المعلوم ولد ثالول، وغيرهم كثير لا يتسع المقام لذكرهم.
هم رجالٌ صلحاء، عُرفوا بالورع والزهد، رفعهم الله في حياتهم وكرمهم بعد وفاتهم، فأصبحت قبورهم مزارات للتبرك والدعاء لهم بالرحمة.

°ثالثا السياحة الصحراوية:

هي نوع من السياحة يعتمد على استكشاف الصحاري وما تزخر به من طبيعة خلابة، وتنوع بيولوجي وتاريخي وتراثي، مع أنشطة رياضية وثقافية وترفيهية خاصة.
ويمارس هواة السياحة الصحراوية أنشطةً مثل: التزلج على الرمال، رحلات السفاري، الراليات، التخييم، ركوب الإبل والخيل، تسلق الجبال، مشاهدة الشروق والغروب، وتجربة العيش في الخيام التقليدية والاستمتاع بالأطباق المحلية.

ولهذا النوع من السياحة فوائد عديدة، منها – على سبيل المثال لا الحصر:

كونه مصدرًا مهمًّا للدخل الوطني وجذب الاستثمارات.

كونه رافدًا للتنمية المستدامة وتعمير الصحاري.

المساهمة في خلق آلاف فرص العمل.

التقليل من آثار الهجرة الداخلية نحو المدن.

حماية البيئة الصحراوية وتنميتها.

ضمان التوازن الديمغرافي عبر تعمير المناطق المهمشة.


ولعل مشاهد الجمال والطبيعة البكر والتضاريس المتنوعة المنتشرة شمال مقاطعة تمبدغة وشرقها وغربها – وهي امتداد لصحراء أوكار لبكم وصحاري المجابات الكبرى – تشكل محطة جذب لهواة هذا النوع من السياحة.
تتنوع مظاهر السطح فيها بين: الجبال، والوهاد، والهضاب، والسهول، والوديان، والتلال، ثم: التيار، وارگوگه، ولعراگيب، ولخنگ، والگلابة، والطرحات، والتواجيل.

وقد سجل أغن فتيان تمبدغة هذه المظاهر الطبيعية الجميلة وعدّوها مزارات للحسن، ومواعيد مع الطبيعة والجمال، لا يُخلفونها بين أطلال: التجال، وراص أمورة، وديدقلي، والكركار، وبالظباع، إلى الجوف، أگمون، والمبروك، والگارة، وبو لعظام، وجگناي المزروف، ثم البدع، وبوطويبة، والشمسية، وابنيبة، تل انگنتان، وافرنان، وبوعليبه، وابياظ افرنان...
إلى غير ذلك من المواضع الساحرة، خاصة في فصل الخريف عندما تتساقط الأمطار وتخضر الأرض وتعشوشب، فتكون مشاهد الماء والخضراء والذبائح وضحكات الأصحاب واجتماع العائلة لوحة رائعة تسمو بالنفس إلى معاني العزة بالوطن ومتعة الحياة.

ومن هذه المواضع: گطع تمب، گطع اشواتيل، الكركار، اكنكاي، بيره، وارميلي، لمزنينزرة، ابريدلي، انبيت اطهارة، لعويجه، الملزم لزرك، اكحول، لعلاب، عين امحمد شن.
وهي مناطق قلّ مَن لم يزرها أو يتغنَّ بها، وله فيها ذكريات. وقد عُرفت شهرتها في أنحاء الوطن كافة، فكثيرًا ما سُئلنا عنها في أماكن بعيدة ومن أشخاص لم نتوقع معرفتهم بها. وطالما غبطنا كتمبدغيين على احتفائنا بهذه الأماكن واحتفاظنا بها في الذاكرة الجمعية.

°رابعا السياحة الترفيهية:

تشمل أنواع الألعاب والأغاني والفلكلور الشعبي التمبدغي الأصيل، والأطباق التقليدية، وأنماط اللهو والحياة.

في مجال الموسيقى والفلكلور الشعبي:
الشنة، أشوار الظل، لعب القسلة، اجريه، لز الخيل والإبل، الأركاب، اتمجبير.

في الألعاب والهوايات:
الرماية التقليدية، هيب، كورة، مانكيب، صلبط، ظامة، لبر (السيك)، كرور، انطب.

في الأطباق التقليدية:
الكسره، كسكس، اللحم وادهن، العيش وجغتني، مار والتفتاش (حسن جدًا)، ساكو، المگلمن.
وقديمًا: آز، تافلكوت، البا، اللحم، البن.

✓خاتمة

كانت تمبدغة دائمًا حاضرة علم، ومنطلق ثقافة وفكر وطرب وفتوة ومرح.
ومن أبرز الشواهد على ذلك الملتقيات التي نظمها أبناؤها، فتقاطر إليها الناس من كل فج، ومن أشهرها تلك الليالي الملاح التي أحياها سيد الطرب والفكاهة سيد أحمد البكاي ولد عوة – رحمه الله – باسم "اتياطر"، حيث تنافس فيها الفتيان، وطربوا، ومرحوا.

ومن وإلى تمبدغة انطلقت قوافل العلم، والمحبة، والهول، وتمشرير، وطالما قصدها الطلاب والعلماء والتجار والفنانون والمغنون الحسانيون والشعراء الفصحاء، وأقاموا بها أو أصبحوا من أهل اتنيبة إلى اليوم.
تمبدغة كانت وستبقى ملتقى الفن والأدب والعلم والسياسة والشعر ولغن واتفوليل... فسيفساء زخرفية من الجمال.

لكن الزمان جارَ عليها، وضربها بما سماه أحدهم: "تگلاب الدهر".
ورغم ذلك، لم تتخلَّ الأجيال المتعاقبة من تمبدغة عن وفائها لمناظرها السياحية الخالدة.
وقد عبّر عن ذلك القاضي سيداتي ولد حمادي في طلعته المشهورة:

تگلاب الدهر ايبان ظرك == متعدي فيه الحيلَ
ذاك اتّجال وذاك حنك == أعرّام ولعزيلَ
هاذاك املِّ باظْباع == گاعد دون ابلمحار گاع
واجهد يحوز ابلا انزاع == مِنِّ ماهي تِحويلَ
وآمورت لكصر واذراع == ذُو يَمُول الوسيل
هوم هوم طب اضياع ==والصدمَ والتخذيل
واسكي ذَفاتْ من اطبول ==بين الكركار ءُ بِطْبول
واركاب الدهر إلي اتصول == من كل انهار ولَيلَ
واركابْ اتجي واجميع هَول== هوم واقيود النيل
عالم مولان والرسول == والجماعَ لفْضيل
عن عاد اعلي فرظ قول == انْ الدني ثقيل
وياللالي ذفات مات ==من الاطفال ولمهيدنات
واسكِ يذ من عام فات == واشهر واسبوع ءُ ليل
بين الر گ ءُ لميبرات == وعرّام ءُ لعزيلَ

✓توصيات

كل هذه المواضع لا تزال قائمة، لكن تغيَّر أهل تمبدغة: منهم من مات، ومن هجر، ومن هجرته روحها، فلم يعد "واحدًا من أهل اتنيبة". وطول الغياب مدعاة للجفاء، فلم نعد أوفياء لعهدها كما كانت وفيةً لنا.

فماذا يضر المستثمرين لو شيّدوا منتجعات أو فنادق على مداخل المدينة، واضعين بصمتهم في التنمية المحلية؟

كل المواضع المذكورة تستحق منتجعات سياحية، ستكون وجهةً لبغاة الجمال وعشاق الطبيعة.

أي نزل أو فندق هنا سيكون مزارًا موسميًا شتويًا وصيفيًا قليل التكلفة على مموليه.

يجب على أطر تمبدغة وباحثيها وأركيولوجييها إطلاق مبادرة تكشف كنوز كومبي صالح، لتصبح تمبدغة والحوض الشرقي اسمًا عالميًا.

على الدولة الموريتانية، ممثلة في فخامة رئيس الجمهورية والحكومة، إنقاذ تراث كومبي صالح:

-تحديد مساحة الموقع.

-ترميم الجامع الكبير والقصر.

-ترميم سور المدينة وأسوار المقبرة وبرج المراقبة.

-القيام بحفريات معمقة.

-إنشاء متحف للقطع الأثرية.
-إعادة اكتشاف مايسميه الباحث المحجوب بن بيه، بنات كومبي صالح " صطة وسبتة" وهما قريتان لا يعرف عنهما الكثير.
-دعم السياحة البيئية في بحيرة محمودة، والعلاجية في انوال المالح.