إفريقيا عند مفترق التعليم: مفتاح الخروج من عنق الزجاجة

إفريقيا: أرض الكنوز البشرية والطبيعية

إفريقيا، القارة السمراء، أرض العجائب وكنز العالم المفتوح، تمتد على مساحة شاسعة تعادل خمس الكرة الأرضية، وتزخر بثروات طبيعية هائلة تعجز الأقلام عن حصرها.

من الذهب إلى النفط، ومن الغابات إلى الأنهار، ومن التنوع البيولوجي إلى الإرث الثقافي العريق، تحتضن إفريقيا شبابا يمثلون ثلث سكان العالم، مما يجعلها أغنى قارات الأرض بشريا، وأقربها إلى صياغة مستقبل إنساني زاهر.

لكن، ورغم هذه الكنوز، تقف إفريقيا عند مفترق طرق، تحلم بالنهضة وتتجرع معوقات الواقع، وأبرزها التعليم.

إحصائيات قاتمة: أرقام تكشف فصول المأساة التعليمية

فالواقع التعليمي يعكس مأساة تعرقل القارة عن تحقيق إمكاناتها الهائلة، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أقل من 35% من أطفال المرحلة الابتدائية يتقنون القراءة، بينما ينخفض هذا الرقم إلى 23% في الرياضيات.

20% من الأطفال بين 6 و11 عاما خارج المدارس.

33% من الأطفال بين 12 و14 عاما لا يرتادون المدارس.

تصل نسبة غير الملتحقين بالمدارس في الفئة العمرية 15-17 عامًا إلى 60%.

90% من أطفال إفريقيا في سن العاشرة لا يستطيعون فهم ما يقرؤونه.

هذه الأرقام تكشف عن فجوة صارخة بين الواقع والطموح، ما يجعل التدخل العاجل ضرورة ملحة.

"التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم"، كما قال نيلسون مانديلا، ملخصا مفتاح حل أزمة إفريقيا، ومع ذلك، تواجه القارة نقصا يقدر بـ37 مليون معلم بحلول عام 2030، ما يجعل الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة - التعليم الجيد - تحديا بعيد المنال.

معضلات التعليم: من العوائق الجغرافية إلى الصراعات المسلحة"
رغم أن التعليم يعد حقا أساسيا للإنسان ومحركا رئيسيا للتنمية المستدامة، إلا أن الوصول إليه في إفريقيا يظل عقبة كبيرة،إذ تعاني القارة من ضعف البنية التحتية، نقص المعلمين المؤهلين، والتفاوت الجغرافي والاجتماعي، خاصة في المناطق الريفية. 

وفقا لتقارير اليونسيف واليونسكو، يوجد أكثر من 105 ملايين طفل في إفريقيا خارج المدرسة، و87% من الأطفال في منطقة جنوب الصحراء الكبرى يعانون من ضعف التعلم،ورغم ارتفاع معدلات الالتحاق منذ عام 2000، إلا أن التقدم لا يكفي لتلبية احتياجات المستقبل.

أبرز التحديات

1. الوصول إلى التعليم: يواجه الأطفال صعوبات بسبب بعد المدارس، الفقر، والعوائق الثقافية، مما يؤدي إلى تفاوت كبير بين المناطق الحضرية والريفية.
 

2. جودة التعليم: النقص في المعلمين المؤهلين، ضعف الموارد الأساسية، وغياب التكنولوجيا الحديثة يعوق تقديم تعليم فعّال.
 

3. التسرب المدرسي: الزواج المبكر وعمالة الأطفال من أبرز أسباب التسرب، إضافة إلى العوائق اللغوية التي تحد من الفهم.
 

4. الصراعات وانعدام الأمن: النزاعات المسلحة والهجمات على المدارس أدت إلى إغلاق أكثر من 14,300 مدرسة، مما يحرم ملايين الأطفال من التعليم ويزيد من خطر استغلالهم.

رؤية التعليم في إفريقيا: خارطة طريق نحو النهضة

تواجه إفريقيا تحديات كبيرة في مجال التعليم، تشمل نقص البنية التحتية والفجوات في جودة التعليم، ورغم ذلك، تبرز فرص هائلة للتحسين، مدعومة بتوجه الاتحاد الإفريقي لعام 2024 نحو التعليم كأولوية رئيسية،لتحقيق رؤية مستقبلية واعدة، يتطلب الأمر استراتيجيات مبتكرة وحلول شاملة، من أبرزها:

1. زيادة الاستثمار في التعليم: تخصيص ميزانيات أكبر لتحسين البنية التحتية وتوفير الوسائل التعليمية، خاصة في المناطق الريفية.
 

2. تعزيز تدريب المعلمين: الاستثمار في برامج تدريبية شاملة تشمل مهارات التدريس الرقمي والمساواة بين الجنسين.
 

3. توسيع فرص الوصول: بناء مدارس جديدة، تقديم منح دراسية، وتنفيذ برامج تعليم عن بعد.
 

4. سد الفجوة الرقمية: توسيع نطاق الإنترنت وتوفير الأدوات الرقمية من خلال شراكات مع شركات التكنولوجيا.
 

5. معالجة الأزمات: ضمان الاستقرار السياسي وحماية الحق في التعليم كأساس للتقدم.
 

6. توازن الاستثمار التعليمي: التركيز على التعليم المبكر بجانب المراحل الأخرى لتحقيق عوائد طويلة الأجل.
 

7. تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص: لزيادة كفاءة التمويل وتحسين أنظمة التعليم.
 

8. تحسين إدارة بيانات التعليم: تطوير أنظمة معلوماتية تدعم القرارات المستندة إلى الأدلة ومراقبة التقدم.

باتباع هذه الاستراتيجيات، يمكن لإفريقيا بناء نظام تعليمي مستدام يلبي احتياجات الحاضر والمستقبل.

"التعليم ومفتاح التنمية المستدامة: أرقام تغيّر المستقبل

 يمكن أن يسهم التعليم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بعدة طرق، ومنها:

1. القضاء على الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي: يعتبر التعليم وسيلة فعالة للحد من الفقر، حيث يمكن للأفراد الذين يحصلون على تعليم جيد أن يحققوا مستويات أعلى من الدخل، ما يعزز النمو الاقتصادي.

ووفقا لدراسة صادرة عن "برنامج مستقبل إفريقيا"، فإن تحسين التعليم يمكن أن يخفض أعداد الفقراء بمقدار 47 مليون شخص بحلول عام 2043، ويزيد الناتج المحلي الإجمالي للقارة بمقدار 368 مليار دولار.

كما أن كل سنة إضافية من التعليم ترفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي طويل الأجل بنسبة 0.6%. هذه الأرقام تعكس الأثر العميق للاستثمار في التعليم على مستقبل إفريقيا.
 

2. تحقيق المساواة بين الجنسين: يعد التعليم أحد أهم العوامل التي تساهم في تعزيز المساواة بين الجنسين في إفريقيا،وتعليم الفتيات يمكن أن يغير حياتهن بشكل جذري، إذ يعزز من قدرتهن على المشاركة في سوق العمل والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ما يساهم في تحسين وضع المجتمع ككل.
 

3. الاستدامة البيئية: من خلال تعليم الشباب القيم البيئية و الممارسات المستدامة الشباب يساعد على رفع الوعي في المجتمع بضرورة الحفاظ على الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التطور والنمو البيئي.
 

4. الحد من النزاعات وتعزيز السلام: يمكن للتعليم أن يكون أداة فعالة في الحد من النزاعات في إفريقيا،فمن خلال التعليم، يمكن زرع قيم التسامح، احترام حقوق الإنسان، والحوار بين الثقافات المختلفة،و ذلك من شأنه أن يقلل من التوترات الاجتماعية ويعزز الاستقرار في المناطق المتأثرة بالنزاع.
 

5. تعزيز الصحة العامة: يؤدي التعليم إلى تحسين الوعي الصحي، وهو أمر حيوي في إفريقيا التي تواجه تحديات صحية كبيرة، من خلال تعليم الأفراد كيفية الوقاية من الأمراض وتعزيز الرعاية الصحية، يمكن تقليل معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات، خاصة بين الأطفال.

6. تنمية المهارات والابتكار التكنولوجيا:فالتعليم يعزز الابتكار وريادة الأعمال،في عالم يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا،إذ يحتاج الشباب في إفريقيا إلى مهارات تكنولوجيةحديثة تؤهلهم للمنافسة في السوق العالمية.

ف"التعليم الجيد ليس فقط في إعطاء الشباب المعلومات، بل في تمكينهم من ابتكار حلول تغيّر واقعهم".

من خلال هذه النقاط، يظهر بوضوح أن التعليم ليس مجرد أداة لتحقيق التقدم الشخصي، بل هو عنصر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة على مستوى القارة الإفريقية. 

"مشروع المدرسة الجمهورية: بارقة أمل من موريتانيا"

إن الاستثمار في التعليم يساهم في بناء مجتمع قادر على مواجهة تحديات المستقبل وتحقيق النمو المستدام الذي يعود بالنفع على الأجيال القادمة.

وهو الأمر الذي أشار له الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني ،حيث شدد على أن التعليم يجب أن يكون شاملا وعصريا،يعيد صياغة العلاقة بين الفرد والمجتمع، ويؤهل الشباب لمواكبة سوق عمل يتغير بوتيرة متسارعة.

المؤتمر القاري في نواكشوط: منصة للحوار أم دعوة للعمل؟

 يُمثل مشروع "المدرسة الجمهورية" في موريتانيا نموذجا يحتذى به في معالجة فجوة التعليم،يسعى المشروع لخلق بيئة تعليمية متكافئة الفرص، مع التركيز على إدماج التكنولوجيا وإعداد جيل قادر على الريادة

وخلال المؤتمر القاري حول التعليم في نواكشوط، أُجمع على ضرورة تحسين البنية التحتية، وتوسيع نطاق التعليم المجاني، ودمج التكنولوجيا في التعليم. كما شدد المشاركون على أهمية ربط التعليم بسوق العمل من خلال إعادة تصميم المناهج لتلائم احتياجات العصر.

التعليم: السلاح الأقوى لإنقاذ إفريقيا

إفريقيا، القارة التي تحتضن طموحات كبرى، تقف اليوم على أعتاب لحظة حاسمة، وكما قال الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي: "تعليم الشباب هو الطريق الأضمن لإنقاذ الأجيال القادمة من قيود الفقر والجهل".

ختاما،التعليم في إفريقيا هو مفتاح التنمية المستدامة ووسيلة للتغلب على تحديات القارة. ورغم العقبات كضعف التمويل والبنية التحتية، فإن تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع الدولي يفتح آفاقًا واعدة لتحسين جودة التعليم وتوسيع فرصه.

 الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل إفريقيا ونهضتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

فهل سيكون المؤتمر القاري في نواكشوط  مجرد منصة لتبادل الأفكار،أم سيكون دعوة للعمل المشترك لتحرير الطاقات الكامنة وتحقيق التنمية المستدامة.

وهل تستجيب إفريقيا لهذا التحدي؟ وهل تعي أن التعليم هو أداة التغيير الحقيقية؟ 

كمال الداه عبدي يقله