في ظلال الرصاص: خفايا الاغتيالات الإسرائيلية بين قادة المقاومة والعقول العربية

في بؤرة الصراع الدائم، حيث تتقاطع خيوط التاريخ مع أوجاع الحاضر،وفي ظلمة الليل وفي وضح النهار، تدير إسرائيل عجلتها الدامية لتصطاد  أبناء الأمة، من قادة المقاومة و العلماء الذين يُنيرون دروب الأمة بعلمهم ويُسهمون في نهضتها.

فمنذ نشأتها على أنقاض الأرض الفلسطينية، استخدمت تل أبيب الاغتيالات كأسلوبٍ ممنهج لضمان بقاء قيادات الأمة بعيدة عن ميادين الفعل، لتظل أيادي المقاومة مقيدة وأصواتها خافتة.

ليصبحوا هدفا دائما في مرمى دولة لم تكتفِ باحتلال الأرض، بل وسعت بيد الغدر لاغتيال العقل العربي والإسلامي، فتاريخ الإغتيالات الإسرائيلية ليس مجرد سطور دامية، بل هو شهادة على رغبة هذا الكيان في وأد كل مشروع تنموي أو عسكري أو علمي يمكن أن يقف عائقًا أمام هيمنته المطلقة على المنطقة.

♦رماح الخلود:قادة المقاومة وشجعان الأرض في مرمى رصاص الغدر

لطالما كان القادة كالأشجار الراسخة التي تتحدى عواصف الاحتلال، ومن بين هؤلاء، يبرز اسم الشيخ أحمد ياسين، الذي اغتاله الاحتلال عام 2004،كان ياسين صوت الأمل الذي ينادي بتحرير الأقصى، ورغم إعاقته، استطاع أن يكون رمزًا للعناد والمقاومة، ثم يأتي اسم رفيق الشهيد، عبد العزيز الرنتيسي، الذي لم يكن مصيره أفضل، إذ استشهد في نفس العام. و

وكان اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) من أكثر العمليات دموية وإيذاءً للثورة الفلسطينية،وهو الذي قال: "فليقتلونا، سنموت واقفين، ولن نركع".

واغتالت إسرائيل  أبو عمار ياسر عرفات،فارس الكفاح الفلسطيني، وفي محراب التضحية والكرامة،ارتقى اسماعيل هنية على يد خفافيش الليل التي لا تطيق رافعي راية الحرية و نور العقل، وترجل نصر الله عن فرسه، شهيدا بعد سنوات من مقارعة الصهاينة  الذي مثّل رمزًا للصمود والقوة في وجه الاحتلال ليلتحق برفاق دربه كجعفر الصادق وسليمان هاني وقيادات أخرى من المقاومة الباسلة

ولا ننسى اغتيال سمير القنطار، الذي قُتل على يد الصهاينة الذين خشوا أن يتحول إلى أسطورة نضال لا تُهزم، وكأنهم يقولون: "سنقتل من يستطيعون أن يكونوا رموزاً للحرية، لأننا نخشى أن تتحول قصصهم إلى شعلة لا تنطفئ".

وتم اغتيال القائد قاسم سليماني في غارة جوية آمريكية بطائرة مسيرة في العراق .

لكن قادة المقاومة لم يكونوا مجرد أفراد، بل كانوا فكرة، ورمزًا لأمة كاملة تسعى للتحرر والانعتاق من قيود الاحتلال،والاغتيالات لا تُسقط الأسماء من الذاكرة، بل تُصنع أسطورة جديدة تُضاف إلى التاريخ. وكما يُقال: "الذي يُغتال لا يموت، بل يُخلد في قلوب من يحبونه".
هم عظماء في الدنيا، أحياء عند ربهم، ضوء لا ينطفئ في سماء الأمة العربية.

♦اغتيال النبوغ: حين تخنق إسرائيل أنفاس العقول العربية

إسرائيل عبر تاريخها استهدفت العديدمن العلماء العرب، الذين مثلوا تهديدًا لمصالحها العسكرية أو العلمية. هذه الاغتيالات، سواء كانت بشكل مباشر أو عبر وكلاء، طالت علماء في مجالات متعددة، من الفيزياء النووية إلى الهندسة الكهربائية، وكانت تهدف إلى كبح التطور العلمي والتكنولوجي في العالم العربي.

فمنذ أواخر الأربعينيات وحتى يومنا هذا، تبنت إسرائيل استراتيجية متكاملة تقوم على اغتيال القادة الفلسطينيين والعرب، اعتقادًا بأن استهداف هؤلاء سيُنهك المقاومة ويضعفها.

من بين تلك العمليات التي نفذها الموساد وأجهزة الأمن الإسرائيلية، كانت عملية اغتيال العالم الألماني أوتو سكورزيني في الستينيات الذي كان يُشاع أنه ساعد العرب في تطوير تقنياتهم العسكرية.
ثم جاءت عملية "عناقيد الغضب" في سبعينيات القرن الماضي، حيث استهدف الموساد عدداً من القادة الفلسطينيين في الخارج، أمثال غسان كنفاني، الكاتب الذي أصبح شهيدًا لكلماته قبل أن يموت برصاص إسرائيل في بيروت.

•اغتيال العلماء العراقيين: تفتيت البناء العلمي بعد الغزو

لا يمكن الحديث عن الاغتيالات دون الإشارة إلى العراق، تلك الدولة التي كانت في وقتٍ من الأوقات مركزًا علميًا عالميًا. بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، نفذت إسرائيل عبر أذرعها وبتنسيق مع جهات غربية، حملة اغتيالات ممنهجة استهدفت علماء العراق، خاصةً أولئك الذين عملوا في برامج التسليح والطاقة النووية.

هذه الحملة، التي أزهقت أرواح عشرات العلماء، كانت جزءًا من مخطط أوسع لتفكيك البنية العلمية العراقية وجعلها غير قادرة على استعادة قوتها العلميةوالعسكرية.

و فيما يلي أبرز العلماء العرب الذين اغتالتهم إسرائيل:

-يحيى المشد (1932 - 1980)
عالم نووي مصري كان من أبرز العلماء العرب في مجال الهندسة النووية. شارك في تطوير البرنامج النووي العراقي في السبعينيات. تم اغتياله في باريس عام 1980.

-سمير نجيب (1934 - 1967)
عالم نووي مصري، كان يعد من العقول البارزة في مجاله. قُتل في حادث سيارة مدبر في الولايات المتحدة أثناء عودته إلى مصر، ويُعتقد أن الموساد هو من خطط لهذه العملية لإيقاف مسيرته العلمية التي كانت تشكل تهديدًا لإسرائيل.

-مصطفى مشرفة (1898 - 1950)
عالم فيزياء نظرية مصري لُقب بـ "أينشتاين العرب". برع في مجالات الفيزياء النووية وكان من أوائل العلماء العرب الذين أبدوا اهتمامًا بالطاقة النووية. توفي في ظروف غامضة عام 1950.

-رمال حسن رمال (1951 - 1991)
عالم فيزياء لبناني برع في مجال الفيزياء النظرية. تم اغتياله في فرنسا عام 1991 في ظروف غامضة،

-فادي البطش (1983 - 2018)
مهندس فلسطيني متخصص في الهندسة الكهربائية والطاقة المتجددة. اغتيل في ماليزيا عام 2018 عندما أطلق مجهولون النار عليه أثناء توجهه إلى المسجد لصلاة الفجر. كان البطش يعمل في أبحاث متقدمة تتعلق بالطاقة.

-سمير درويش (غير معروف - 1980

عالم فلسطيني كان يعمل في برنامج الطاقة النووية العراقي. تم اغتياله في بغداد عام 1980

عزيز إسبر (1962 - 2018)
عالم سوري ومدير مركز البحوث العلمية في سوريا. كان يقود برنامج تطوير الصواريخ في سوريا. اغتيل عام 2018 إثر تفجير سيارته،

-إبراهيم المقادمة1952 - 2003)
أحد مؤسسي حركة حماس ومن أبرز مفكريها. كان طبيباً ومثقفاً يعمل على تطوير أفكار الحركة السياسية والعسكرية. تم اغتياله عام 2003 في غارة جوية إسرائيلية استهدفته بشكل مباشر.

-عماد مغنية (1962 - 2008)
عالم لبناني وقائد عسكري في حزب الله،كان له دور محوري في تطوير القدرات العسكرية للحزب، بما في ذلك تطوير الصواريخ وتكتيكات الحرب غير التقليدية، تم اغتياله في دمشق عام 2008 في انفجار سيارة مفخخة نُسب إلى الموساد.

-محمد الزواري (1967 - 2016)
مهندس طيران تونسي متخصص في الطائرات بدون طيار. اغتيل عام 2016 في مدينة صفاقس التونسية، ويُعتقد أن الموساد هو من نفذ العملية نظرًا لدوره في تطوير الطائرات بدون طيار التي كانت تستخدمها حركة حماس.

-عبد الكريم العبيدي (تاريخ غير معروف)
عالم صواريخ عراقي، اغتيل خلال الفترة التي شهدت استهداف العلماء العراقيين بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003. كان مسؤولاً عن تطوير برنامج الصواريخ العراقي.

- خليل إبراهيم (1950 - 2008)
طبيب ومؤسس حركة العدل والمساواة في دارفور، السودان. رغم أن اغتياله لم ينسب بشكل مباشر لإسرائيل، إلا أنه كان مستهدفاً بسبب نشاطاته السياسية والعسكرية التي كانت تُعتبر تهديدًا لأطراف عديدة، بما فيها إسرائيل.

-ماجد الكرمي (غير معروف - 2010)

عالم فلسطيني كان يعمل في تطوير التكنولوجيا الحيوية والطبية. اغتيل في ظروف غامضة عام 2010 ويُعتقد أن إسرائيل كانت وراء اغتياله.

-سميرة موسى(1917-1952 )

الملقبة ب "مس كوري الشرق"هي أول عالمة ذرة مصرية و  أول امرأة تحصل على دكتورة في الإشعاع الذري توفيت في حادث سير غامض في كاليفورنيا.

-جمال حمدان(1928-1993)

أهم جغرافي مصري صاحب كتاب شخصية مصر، تنبأ بسقوط الكتلة الشرقية قبل 20 عام من سقوطها، ألف كتاب اليهودية انتروبولوجيا أثبت فيه أن اليهود الحاليين ليسوا أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين وأغتيل وأختفت مسودات كتبه.

-سعيد سيد بدير(1949-1989)

عالم مصري تخصص في مجال الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية توفي بالإسكندرية في واقعة يصفها كثيرون أنها عملية اغتيال من قبل الموساد وهو ابن الممثل والمخرج المصري السيد بدير.

-نبيل القليني

عالم ذرة وعلوم ذرية مصري،اختفى بعد مكالمة هاتفية منذ عام 1975 ولم يتم معرفة أي شيئ عنه بعد ذلم

-سلوى حبيب(1951-1997)

باحثة مصرية  صاحبة كتاب التغلغل الصهيوني في إفريقيا كانت من أكثر المناهضين للمشروع الصهيوني فعثر على جثتها وهي مذبوحة في شقتها

-نبيل أحمد أفليفل (توفي 1984)

عالم ذرة فلسطيني استطاع دراسة الطبيعة النووية كان في مخيم الأمعري في الأراضي الفلسطينية المحتلة فقد رفض كل العروض للعمل في الخارج وكان يشعر أنه سيخدم وطنه بأبحاثه ودراساته العلمية وفجأة اختفى وعثر على جثته في بيت عور .

-حسن كامل الصباح (1894-1935)

أديسون العرب مخترع لبناني تنسب إليه عشرات الاختراعات توفي في حادث سير غريب حيث وجد على مقعد سيارته دون أن يصاب بأية جروح.

-غسان كنفاني(1936-1972)

روائي وصحفي فلسطيني كان قلمه أشد على إسرائيل من ألف سيف. وكما قال ذات مرة: "خيمة على أسنّة الرماح هي الكلمة الحرة، خيمة تمزق قلب الصمت وتوقظ الضمير".

-العالم محسن فخري زاده، الذي اغتيل في عام 2020 في عملية معقدة أثارت ضجة عالمية. فخري زاده كان يُعتبر "العقل المدبر" للبرنامج النووي الإيراني،

إن هؤلاء القادة، الذين جردتهم رصاصات الغدر من حقهم في الحياة، هم رمز للصمود والتحدي، وقد سطروا بأحرف من نور تاريخًا مليئًا بالتضحيات والفداء، فقد كانوا كالبحر، لا يُحتوى في سجن، ولا يُقهر بالرصاص

نعم، اغتالتهم إسرائيل، لكنهم لم يموتوا،أجسادهم خضعت لقانون الفناء، أما أفكارهم، فقد تخلدت في مسارات العقول المتنورة،رسموا بدمائهم معالم النهضة القادمة، تلك النهضة التي تقف على أعتاب التحديات، معلنةً أن العلم هو السلاح الأصدق في مواجهة الظلم،فكل رصاصة غدر، وكل يد اغتيال، لن تزيد الأمة إلا إصرارًا على الاستمرار

رغم فظاعة هذه الاغتيالات، يبقى الأمل،فأفكار هؤلاء القادة والعلماء لا تموت، بل تبقى شعلة مضيئة تهدي الأجيال نحو مستقبل أفضل،و في خضم هذا الصراع، يتبين لنا أن الحل يكمن في الوعي العميق ببناء الجيل القادم على أساس من العلم والقوة والإرادة فالأمة اليوم أقوى من أي وقت مضى في مواجهة الظلم والطغيان.

ويبقى السؤال: كم من عالم عربي ومسلم سيُغتال قبل أن يُدرك الجميع أن العلم هو مفتاح المستقبل، وأن الرصاص لا يُسكت العقل ؟و أن من يموت في سبيل وطنه، لا يموت بل يخلد في قلوب الأحرار".


كمال الداه عبدي يقله