بعد قرار الرئيس السنغالي ماكي سال، غير المسبوق والمثير للجدل، بتأجيل الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها يوم 25 فبراير الجاري إلى أجل غير مسمى، صوت البرلمان السنغالي وسط أجواء فوضوية على مشروع قانون تبنى بموجبه تأجيل الاستحقاق الرئاسي حتى يوم 15 ديسمبر المقبل، وبقاء رئيس الدولة في منصبه لحين تنصيب خليفته؛ فيما يعد سابقة سياسية في السنغال، التي تُوصف بأنها جزيرة الاستقرار الديمقراطي في منطقة تطغى على الانقلابات العسكرية.
قرار ماكي سال بتأجيل الانتخابات، يمثل قطيعة مع التقاليد الديمقراطية التي انخرطت فيها السنغال منذ أزيد من أربعة عقود، وينسف تماماً مواقفه السابقة بخصوص هذه المسألة، بعد أن كان في عام 2012، في صدارة المناضلين، باسم الدستور، ضد ترشح عبد الله واد لفترة رئاسية ثالثة ولتأجيل موعد الانتخابات الرئاسية تحت أي ذريعة.
ماكي سال، البالغ من العمر 62 عاماً، والذي يحكم البلاد منذ 12 عاماً، كان قد أعلن في شهر يوليو الماضي أنه لن يترشح لفترة رئاسية ثالثة، كما ينص على ذلك الدستور، وكان من المفترض أن يترك السلطة يوم الثاني من أبريل المقبل. وها هو يبرر الآن قراره، المثير للجدل وغير المسبوق في هذا البلد، بالأزمة السائدة حسب رأيه بين الجمعية الوطنية والمجلس الدستوري، معتبراً أنه يريد تجنيب البلاد “اضطرابات سياسية خطيرة”.
لكن خصومه يشتبهون في أنه يريد ببساطة البقاء في السلطة. بما في ذلك المعارض خليفة سال، عمدة العاصمة داكار سابقا ً، والذي ندد بـ”الانقلاب الدستوري” الذي من شأنه أن يخفي نية تحقيق “حلم الخلود”.
ويبدو وفق العديد من المراقبين أن الرئيس المنتهية ولايته لجأ إلى قراره غير المسبوق في تاريخ الدمقراطية السنغالية بغية كسب أو ربح الوقت وتجنب خسارة معسكره، بعد أن تأكد له أن التوقيت الحالي للانتخابات ليس في مصلحته، في ظل عدم تمتع مرشّح حزبه، أمادو با، رئيس وزرائه الحالي، بشعبية كبيرة، بحسب استطلاعات الرأي، والتي أظهرت أيضاً أن العديد من السنغاليين يعتبرون أنه “شخصية لا تتمتع بالكاريزما”.
علاوة على ذلك، فإن رفض ملف ترشح كريم واد، نجل الرئيس السابق عبد الله واد، أتى ليزيد الطين بلّة بالنسبة للرئيس المنتهية ولايته، الذي كان يضع كريم واد كخيار ثان وحليف محتمل لحزبه.
ويرى بعض المحللين أن سكوت المرجعيات الدينية التي تتمتع بثقل سياسي كبير في السنغال يعد نوعاً من الموافقة الضمنية على ما يقوم به الرئيس ماكي سال، وربما يشجعه ذلك على ما هو أبعد، لاسيما أن العامل الاقتصادي المستقبلي يشجع على ذلك، إذ تستعد البلاد لبدء استغلال أول مداخيلها من البترول، وهو ما يمثل مكاسب مالية كبيرة.
وعليه، فإنه من مصلحة ماكي سال إذن أن يتشبث بالسلطة، إن لم يكن لنفسه، فعلى الأقل لمعسكره، من باب المنفعة الاقتصادية، ولكن أيضاً تفاديا ً للمحاسبة أو الانتقام، بعد أن شهدت فترته الرئاسية الثانية حبس العديد من الأصوات المعارضة “تعسفيا”، ناهيك عن القمع الممنهج للمظاهرات، لاسيما الداعمة لخصمه اللدود عثمان سونكو، المسجون حالياً، والذي رفض ملف ترشحه.
* الشرق الاوسط